بسّام الطيارة
لا يعني لي المدعو جورج قرداحي شيئًا، فأنا لا أعرفه، وعلى ذمة زملائه، يبدو أنه متغطرس ومتعجرف، وهي “الصفات” التي تبعدني عن أي شخص يحملها وتدفعني لتغيير الرصيف إذا ما لمحته من بعيد.
عُيّن هذا الرجل وزيراً للإعلام في حكومة نجيب ميقاتي الثالثة، والكل يعلم (أو لا يعلم) أن المناصب في لبنان (من ساعي البريد إلى أكبر مدير عام، إلخ…) كلها تخضع لمفاوضات سوقية تلبية لتوازنات طائفية دقيقة للغاية تذكرنا بالعصور الوسطى، فكيف بمنصب وزير سقط فجأة بالباراشوت؟
حسناً أما وأن الرجل فاز بالكرسي غير أنه ومن قبل أن يصبح وزيراً، كان قد انتقد السعودية والإمارات في إشارة إلى الحرب المكلفة والعبثية في اليمن والعمليات العسكرية السعودية والإماراتية ضد الحوثيين منذ العام 2015. علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات تأتي أيضًا من قبل أفضل الحلفاء لهاتين الدولتين الخليجيتين. الأميركيون في المقدمة.
فجأة وبلا مقدمات، قررت أربع دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين، الكويت) إستدعاء دبلوماسييها من لبنان وشرعت في طرد الدبلوماسيين اللبنانيين، ومنعت الإمارات مواطنيها من التوجه إلى بلاد الأرز (السعودية تمنع مواطنيها أيضاً منذ أكثر من سنة من زيارة لبنان). وحظرت هذه الدول استيراد المنتجات اللبنانية مع تهديد مبطن بطرد اللبنانيين المقيمين في بلادهم!
المطلوب؟ «إقالة الوزير»!
أين الحكمة في مثل هذه السياسة ـ الهوجاء؟
هل يصح إركاع دولة – لبنان – تجتاز أزمة وجودية غير مسبوقة منذ ولادة لبنان الكبير قبل مائة سنة… دولة مفلسة يعيش 70٪ من سكانها تحت خط الفقر؟
ما هذا؟ ألا يكفي أن تكون هذه البلدان الخليجية محط أنظار العالم بسبب نظام حريتها وتعاملها مع الإعلام، حتى تعاقب دولة على كلام (نقدي) صدر عن شخص قبل أن يتسلم منصبه الحكومي الجديد؟
أنا لا ألوم دول الخليج (فمسألة حرية الرأي فالج لا تعالج). هذه الدول تطبق سياسة رديئة عبر سعيها لإسقاط عدوها حزب الله حليف عدوها الأكبر إيران، فتكون النتيجة سحق شعب بأكمله لتدجينه وتدجين سياسييه المدجنين أصلاً.
عتبي الشديد أوجهه إلى كل معارضي حزب الله في لبنان (ولهم كل الحق بمعارضته… ولكن). هؤلاء يقفزون فوق بلدهم (لبنان) الذي يجثو على ركبتيه ويُسحق.. من أجل “كلمة” نقد. هذا الفريق اللبناني الذي يشيد ويؤيد قرارات مجحفة تنتقص السيادة اللبنانية بسبب كلمة نقد.. وأين؟ في لبنان بلد الحرية والصحافة!
سوف يجيب البعض تستحق ذلك إيران وحزب الله وفائض القوة.. وكذا وكذا وكذا.. ولكن أين المبادئ؟ هل تعالج «مرض بمرض آخر»؟ إنه التدمير الذاتي للبلاد من خلال لعبة تراشق لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا.
أنا بصفتي أكاديميًا وكاتبًا، لا يمكنني الموافقة على قتل بلد بسبب كلمة قالها رجل قبل أن يدخل حيز المسؤولية الوزارية. خصوصاً أن هذا الرجل يشهد له تاريخه بالتملق والتزلف. رجل قال بالقيادة السعودية الجديدة قبل سنتين ما لم تقله هي بنفسها. رجل قَبِلَ على نفسه أن يُسجِل حلقة من برنامج “من سيربح المليون” كرمى عيون عبد العزيز بن فهد (عزوز) لكي يتسلى هو وصبيانه.
الآن هل كلما نطق وزير أو مسؤول لبناني بكلمة صار لزاماً عليه أن يستقيل هو أو رئيس حكومته تحت طائلة الويل والثبور وعظائم الأمور.
أنا لست مع جورج قرداحي … ولكني مع بلدي ومع حرية الرأي فيه .