عندما يحضر الطعام يبطل الكلام، هو قول يفيد بأن نعم الإدام هي التي ستشغل فاه عوضاً عن هواء الكلام متى حضرالطعام. ولكن عندما يحضر الطعام على المائدة اليابانية يبطل أيضاً الكلام ولكن لتحل محله علامات التعجب والإعجاب والدهشة، ويزوغ النظر وسط ألوان متناسقه.
تردد يمنع اليد من المس بـ “اللوحة” التي ترسمها الأواني والأطباق. من أين البدء؟ كيف؟ هل نأكل الزهرة؟ أم لا نقترب من الصحن الذي تزينه؟ المواد التي صُنعت منها الأطباق تحمل المأكولات متنوعة ومتعدة الألوان: الفخار، الغريس، البورسالين الصيني أو الياباني، الكثير من الخشب من عدة أنواع. واستعمال هذا أو ذاك الوعاء مع هذا أو ذاك الطبق متعارف عليه منذ عقود طويلة، إن لم نقل منذ مئات السنين. بمعنى أن دراسة المطبخ الياباني لا تتوقف فقط على فن الطهو بل تشمل تاريخ الوجبات وطرق تزيينها والأوعية الواجب استعمالها. ومن مهام مقدمة الطعام أو “الغايشا” أو صاحب المنزل، شرح تاريخ استعمال الوعاء بعد شرح ما يحويه من غذاء وتركيبته ومكوناته.( وفي بعض الأحيان يقوم الطاهي بهذا الدور. وللجغرافيا دور أيضاً، إذ أن كل وعاء له طريقة تصنيع حرفية مختلفة من منطقة إلى أخرى. يحاول المطبخ الياباني خلق “انسجام” بين الوجبة والوعاء جغرافياً أيضاً.
على سبيل المثال إذا كانت أزهار الكرز قد أينعت في جنوب الأرخبيل ولم تصل إلى الشمال وأراد الطاهي تقديم طبق يشير إلى حلول موسم زهر الكرز، يستعمل وعاءً من منطقة الجنوب. هذا بالنسبة لما نراه على الطاولة أمامنا. ولكن المأكل الياباني لا يتوقف فقط على ما نراه قبل أن نلهمه بعد حين. فما نراه أمامنا يجب أن يكون متوافقاً مع “الجو المحيط” بطاولة الطعام، أي الديكور بشكل عام؛ كل ما يحيط بالضيف وما يراه أمامه ووراء… وتحته أيضاً. فألوان التكية التي يجلس عليها الضيف يجب أن تتناسب مع ما سيراه من ألوان في الصحن، ومع ما يراه من ألوان على الحائط أو من النافذة إن وجدت. في غالب الأحيان فإن الديكور الياباني ديكور بسيط جداً، وكما سبق وذكرنا فالبساطة تسمح للمتأمل بملئ هذا الديكور كما يحلو له بشكل يتناغم مع أفكاره. أما النافذة فهي دائمة موجودة وتطل على حديقة. وأياً كانت وضعية غرفة الطعام يسعى الديكور لإيجاد فسحة صغيرة يظهر من خلالها بعض النبات أو الأزهار. وعلى سيرة الأزهار فهي موجودة بـ”قوة”، ولكن ليس بكثافة؛ في حال وجدت باقة ورد تكون بسيطة مؤلفة من زهرة أو زهرتين، ولكن نجد بعض الأزهار تزين بعض الوجبات.