طوكيو –
إذا حاول أحدكم البحث على شبكة النت باللغة العربية عن «سر تقدم اليابان» لوجد آلاف الصفحات يغوص بعضها في مسألة الوطنية والحفاظ على التراث والتقاليد وبعضها الآخر يذهب بعيداً في مسألة «التصدي للغرب» والكثير منها تجعل المقاربة أخلاقية مبنية على التربية والتنشئة والنظام التعليمي.
في الواقع يوجد من كل هذا القليل القليل الذي يساهم في بناء الشخصية اليابانية، ويجعل من اليابان ومجتمعها تلك البلاد التي «نعرفها» وتحمل تلك الصفات التي تنقص العديد من المجتمعات ما يجعلها قبلة البحث عن سر التقدم.
إذا كل هذه الإجابات صحيحة ولكن بنسب قليلة جداً لأنها تجانب العوامل المؤهبة لها أي الظروف الجيولوجية والجغرافية التي شذبت الشخصية اليابانية للتأقلم معها سعياً للبقاء. لم يعد يغيب عن بال المتابعين أن اليابان هي بلد الكوارث الطبيعية من بداية التاريخ (وسنعود لهذا الموضوع في حلقة من حلقات هذه الرحلة اليابانية)، وأجبرت الظروف الصعبة الإنسان الياباني على شحذ تفكيره بشكل شبه دائم لتداري أمور تهدد حياته يومياً. وهكذا بات عقل الإنسان الياباني «مدرباً» على حل مسائل تتعلق بتسيل حياته اليومية. وقد اخترت اليوم مثالاً واحداً من كم من الأمثلة التي تكاد لا تعد ولا تحصى والمتداخلة في شتى أنواع حياة الياباني اليومية: الملعقة.
كل المجتمعات تستعمل الملعقة في تناول الطعام أو في سكبه من وعاء إلى أخر، والكل يعرف شكل الملعقة. إلا أن الياباني بحثاً عن سهولة تناول الطعام بواسطة الملعقة (يستعملها للحساء أو الشوربا) جعلها معقوفة بشكل لا يضطر لـ«لي ساعده لإدخال الملعقة في فيه». جرب عزيزي القارئ أن تتابع حركة يدك عندما تتدخل الملعقة إلى فمك، وتصور السهولة لو كانت الملعقة معقوفة ! هذا بعض من طرق التفكير اليابانية
اليابان ٦: الألوان في حضرة الطعام