لا أحد يمكنه أن يفسر «زيارة» نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون إلى ليبيا. وقبل التبصر في زيارتهما ومعانيها السياسية والتاريخية، نقول إن القذافي ونظامه، وكل ما يمت له بصلة، «من الأعمال التي لا يمكن الدفاع عنها تحت أي حجة أو زاوية كانت».
أما بعد،
لسبب يَصعب تفسيره، تذكّر هذه الزيارة بزيارات الزعماء الأوروبيين لمستعمراتهم؛ رئيس الجمهورية الفرنسي الأسبق، بول دومينغ، افتتح «المعرض الاستعماري» في أيار عام ١٩٣١، فبعدما مرّ على «زاوية سكان أفريقيا الفرنسية يميناً، وقفص أسود مرتخية يساراً، ثم زاوية بعض الكامبوديين ينتظرون دورهم في ظل عدد من الزرافات والنعامات»، التفت إليه وزير المستعمرات الفرنسي، بول رينو، وقال «سيدي إنك درت حول العالم في ربع ساعة».
في تلك الأيام كانت المعارض الاستعمارية تلعب الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم، لأنه كان من المطلوب «إلتحام الشعوب الأوروبية» مع أهداف السياسة الخارجية لتبرير، ليس فقط ضحايا الحروب الاستعمارية، بل أيضاً ميزانياتها. من هنا كان أول معرض استعماري في مارسيليا عم ١٩٠٦، حيث «عُرض» سكان من المغرب وأفريقيا السمراء وأعداد من الحيوانات الغريبة (exotique)، إلى جانب المنتجات من خيرات تلك المستعمرات…
قبل زيارة ساركوزي إلى ليبيا، برفقة الفيلسوف برنار هنري ليفي، امتلأت صفحات الإعلام بالحديث عن «منافع الحرب للشركات الفرنسية»، ما دفع المنافسين الإيطاليين والبريطانيين إلى التبجح بكميات العقود التي ينتظروها من جهتهم. وغطى هذا الضجيج الإعلامي على محاولات رئيس المجلس الوطني الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، تأكيد «عدم توقيع أي عقد». إلا أنه خلال الزيارة التاريخية لـ «بطلي الثورة (ساركوزي وكاميرون)»، لم يستطع إلا القول جهاراً إن «الدول سوف تستفيد حسب مواقفها».
بالطبع تنفس البطلان الصعداء، إذ إن الأزمة المالية التي تتخبط بها فرنسا، وأجواء الكآبة التي تلف المواطنين بسبب سلسلة الزيادات في الضرائب وتقليص النفقات وإنقاص عدد موظفي الدولة ورفع الضريبة المباشرة على الاستهلاك وشد الأحزمة بشكل عام، دفعت إلى سطح التساؤلات عن سبب صرف فرنسا ٣٢٠ مليون يورو خلال ستة أشهر في حرب ليبيا وصرف بريطانيا ٣٦٠ مليون يورو… بينما يترنح الاقتصاد الأوروبي بسبب العجز؟
الجواب جاء عبر هذه الزيارة. زيارة تعيد «الاستشراقية السعيدية» إلى واجهة التعامل اليومي في مقاربة شؤون الشرق الأوسط والدول العربية، ليس فقط في النظرة الاستشراقية لغرابة هذه الشعوب، بل في التعامل الاقتصادي الذي يعيدنا إلى ما قبل رئيس الحكومة الإيراني الأسبق محمد مصادق والزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مصر، وقبل القذافي عام ١٩٦٩.
ها قد أكمل الديكتاتور دورة كاملة ليعيد بلاده إلى ما كانت عليه عندما استلمه، مثلما فعل صدام ومثلما يُنتَظَر لآخرين أن يفعلوا. نفهم هنا سبب تدليل الغرب للديكتاتوريين.