قبل سنوات عديدة اكتشف فن الطبخ المضغوط، أي بواسطة “طنجرة بريستو” للاستفادة من قوة ضغط البخار. وقد أفرحت هذه الوسيلة سيدات المنازل لما توفره من سرعة طهو الطعام، ما يترك متسعاً من الوقت لتبادل الزيارات. مع هذا ظل عدد من المتذوقين يفاخرون بالطبخ على «نار خفيفة» التي تزيد من نكهة الطعام بفعل مرور الوقت. ولكن رافق وصول الحداثة إلى المطبخ تحذيرات من إمكانية انفجار هذه الطناجر في حال عدم مراعاة شروط معينة وتنفيس البخار المضغوط.
الأوضاع في المنطقة باتت شبيهة بـ “طنجرة البريستو” بسبب الضغوط الداخلية التي تمنعها تعقيدات خارجية من الانطلاق وتنفيس بخار الصراعات. يتزايد الضغط في سوريا بين قمع القوات الحكومية للمتظاهرين وبين انشقاقات في الجيش، بينما تحكم الضغوط الخارجية والعقوبات وتفتت المعارضة غطاء طنجرة الحالة السورية.
في هذا الوقت، وفي لبنان، يتصاعد ضغط بخار مسألة المحكمة الدولية في الطنجرة اللبنانية التي أحكم إغلاقها عبر تشابك المسائل الإقليمية المتمثلة بمجموعة من الطناجر المغلقة بإحكام.
الطنجرة اللبنانية ولأسباب تاريخية لصيقة بالطنجرة السورية وأي انفجار يحصل في أي من الطنجرتنين يتسبب مباشرة بانفجار الطنجرة الأخرى، أو الإضرار بها بشكل فادح.
أفضل حل لتفادي خطر انفجار طنجرة البريستو يكون بتنفيس البخار المتراكم، إما برفع الغطاء في الوقت المناسب أو بتوسيع الثقب المخصص أصلاً لمنع الانفجارات.
أخطار الطنجرة السورية مسلطة فوق رؤوس اللبنانيين وتتهدد الطنجرة اللبنانية، فإذا سقط النظام فإن قسماً من اللبنانيين سوف يرى نفسه رابحاً، بينما قسم آخر سوف يرى نفسه خاسراً ما يقود لا محالة إلى زيادة ضغوط البخار داخل الطنجرة اللبنانية الحبلى أصلاً بالعديد من المكونات المتفاعلة والترسبات التي تبث بخارها داخل الفضاء السياسي اللبناني المغلق على أي تطور.
اليوم يجتمع مجلس الوزراء اللبناني للبحث بـ ٦٩ بنداً على جدول أعماله، بينها بند تمويل المحكمة: ماذا سوف يتأتى من لقاء وزراء يحمل كل في جعبته ورقة استقالة، ويحمل الوزير الأول استقالة معلنة قبل أيام، في حين أن بخار الصراع على الشؤون اليومية للبنانيين تتصاعد بقوة تحت غطاء اللعبة السياسية؟
هل يمكن اعتبار استقالة الحكومة تنفيساً للاحتقانات أم ضخاً للمزيد من بخار التوتر داخل الطنجرة اللبنانية؟ هل ينظر رئيس الوزراء إلى مصالحه المالية أم إلى مستقبل لبنان ومستقبله السياسي؟ يحق للمواطن اللبناني الذي يئن تحت وطأة حياة معيشية غالية ويلهث وراء لقمة عيش هاربة وهو ينتظر انفجار الطنجرة أن يطرح هذه الأسئلة ليس فقط على رئيس الوزراء الممسك بالسلطة التنفيذية، ولكن أيضاً على حلفائه الذين أمنوا له الوصول إلى السراي؟ إذا كانت شؤون الناس من كهرباء ومواصلات وهاتف وتأمين اجتماعي وبطالة أهم من تمويل المحكمة فليكن التمويل. وإذا كانت القواعد التي أوجدت المحكمة مخالفة للدستور وللسيادة اللبنانية فليأخذ البرلمان اللبناني موقفاً منها وكلمته هي كلمة الشعب التي لا تعلو عليها كلمة، فليعدل ما يوجب تعديله وليتفاوض مع المجتمع الدولي.
أما إذا كان تنفيس الطنجرة اللبنانية سوف يكون عبر ثقب استقالة حكومة وإيجاد حكومة تصريف أعمال تكون بمثابة إثبات لـ«الحربقة اللبنانية»، فإن هذا الثقب لن يؤخر انفجارها، بل سوف يجمدها بقرب الطنجرة السورية. لأن المقولة التي تدعي إن حكومة تصريف الأعمال لا تأخذ قرارات وتسيّر شؤون العباد لن يصدقها المجتمع الدولي، حتى ولو وضعنا جانباً عوامل سوء النية.
ولأن العقوبات الآتية على سوريا يوم الخميس (غداً) من بروكسل سوف تستهدف لبنان وتسد ثقب البريستو في حال خرج منه بخار “الحربقة” اللبنانية، فإن أفضل شيء يمكن للسياسيين اللبنانيين فعله هو رفع ما يكبل غطاء طنجرة البلد وتفريغ بخار خلافاتهم وإبعاد هذه الطنجرة عن الطنجرة السورية قدر الإمكان وليس الإلتصاق بها، والعودة إلى الطبخ على نار هادئة خطط إنقاذ البلد وتجنيبه انفجار الطناجر العربية، التي سلط الربيع الضوء عليها، وزاد من ضغط بخارها الخريف بانتظار وصول موسم الشتاء بعد أسابيع معدودة.